كتاب: فتاوى الرملي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى الرملي



(سُئِلَ) عَمَّنْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ نَامَ بِالنَّهَارِ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ اللَّيْلِ مَقَتَهُ اللَّهُ هَلْ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ أَوْ وَارِدٌ وَهَلْ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَرْوِيَ أَحَادِيثَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَازَ بِهَا، وَلَا هِيَ وَارِدَةٌ فِي كِتَابٍ مَشْهُورٍ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَلْ لَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْتَ الْبُغْضُ وَقِيلَ أَشَدَّهُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْوِيَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا إذَا أَخَذَهُ مِنْ كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ وَقَابَلَهُ عَلَى أَصْلٍ مُعْتَمَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ، وَإِنْ حَكَى بَعْضُهُمْ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمُعَلِّمٍ أَنْ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ مَرْوِيًّا وَلَوْ عَلَى أَقَلِّ وُجُوهِ الرِّوَايَاتِ.
(سُئِلَ) هَلْ السَّمَاءُ أَفْضَلُ أَمْ الْأَرْضُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَرْضَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ بِقَاعًا مِنْهَا بِالْبَرَكَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ مُبَارَكًا وَهُدًى} وَقَوْلِهِ: {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ} وَقَوْلِهِ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} وَقَوْلِهِ: {مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} وَقَوْلِهِ: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} وَلِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَنْبِيَاءَ الْمُكَرَّمِينَ مِنْ الْأَرْضِ، وَأَكْرَمَ نَبِيَّهُ فَجَعَلَ الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدًا وَجَعَلَ تُرَابَهَا لَهُ طَهُورًا، وَأَرْجَحُهُمَا أَنَّ السَّمَاءَ أَفْضَلُ لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ السَّمَاءَ مُتَعَبَّدُ الْمَلَائِكَةِ وَمَا فِيهَا بُقْعَةٌ عُصِيَ اللَّهُ فِيهَا، وَأَنَّ آدَمَ لَمَّا أَتَى بِتِلْكَ الْمَعْصِيَةِ فِي الْجَنَّةِ قِيلَ لَهُ اهْبِطْ مِنْ الْجَنَّةِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَسْكُنُ فِي جِوَارِي مَنْ عَصَانِي، وَأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا سَقْفًا مَحْفُوظًا وَجَعَلَ فِيهَا بُرُوجًا، وَأَنَّهُ قَدَّمَهَا فِي الذِّكْرِ عَلَى الْأَرْضِ فِي الْأَكْثَرِ، وَأَنَّهُ زَيَّنَهَا بِتِسْعَةِ أَشْيَاءَ بِالْمَصَابِيحِ وَبِالشَّمْسِ وَبِالْقَمَرِ وَبِالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَالْقَلَمِ، وَأَنَّهُ جَعَلَهَا قِبْلَةَ الدُّعَاءِ وَمَحَلَّ الضِّيَاءِ وَالصَّفَاءِ وَالطَّهَارَةِ وَالْعِصْمَةِ مِنْ الْخَلَلِ وَالْفَسَادِ، وَأَنَّهُ سَمَّاهَا بِأَسْمَاءٍ تَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ شَأْنِهَا سَمَّاهَا سَقْفًا مَحْفُوظًا وَسَبْعًا طِبَاقًا وَسَبْعًا شِدَادًا ثُمَّ ذَكَرَ عَاقِبَةَ أَمْرِهَا فَقَالَ: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}، {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ}، {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ}، {وَتَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ}، {وَتَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا}، {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} وَذَكَرَ مَبْدَأَهَا فِي آيَتَيْنِ فَقَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وَقَالَ: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} فَهَذَا الِاسْتِقْصَاءُ الشَّدِيدُ فِي كَيْفِيَّةِ حُدُوثِهَا وَفِنَائِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَلَقَهَا مُحْكَمَةً بَالِغَةً، وَأَنَّهُ جَعَلَهَا مُؤَثِّرَةً غَيْرَ مُتَأَثِّرَةٍ، وَالْأَرْضُ مُتَأَثِّرَةٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ، وَالْمُؤَثِّرُ أَشْرَفُ مِنْ الْقَابِلِ، وَأَنَّهُ فِي الْأَكْثَرِ ذَكَرَهَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْأَرْضُ بِلَفْظِ الْوَحْدَةِ، وَأَنَّهُ جَعَلَ لَوْنَهَا أَنْفَعَ الْأَلْوَانِ لِلْبَصَرِ وَشَكْلَهُ أَفْضَلَ الْأَشْكَالِ.
(سُئِلَ) مَا مَعْنَى قَوْلِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} وَالنَّقْضُ فَتْحُ التَّرْكِيبِ، وَأَصْلُهُ فِي طَاقَاتِ الْحَبْلِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي إبْطَالِ الْعَهْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَهْدَ يُسْتَعَارُ لَهُ الْحَبْلُ لِمَا فِيهِ مِنْ رَبْطِ أَحَدِ الْمُتَعَاهِدَيْنِ بِالْآخَرِ فَإِنْ أُطْلِقَ مَعَ لَفْظِ الْحَبْلِ كَانَ تَرْشِيحًا لِلْمَجَازِ، وَإِنْ ذُكِرَ مَعَ الْعَهْدِ كَانَ رَمْزًا إلَى مَا هُوَ مِنْ رَوَادِفِهِ وَهُوَ أَنَّ الْعَهْدَ حَبْلٌ فِي إثْبَاتِ الْوَصْلَةِ بَيْنَ الْمُتَعَاهِدَيْنِ كَقَوْلِك شُجَاعٌ يَفْتَرِسُ أَقْرَانَهُ وَعَالِمٌ يَغْتَرِفُ مِنْهُ النَّاسُ فَإِنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ أَسَدٌ فِي شَجَاعَتِهِ وَبَحْرٌ بِالنَّظَرِ إلَى إفَادَتِهِ؟
(فَأَجَابَ) قَوْلُ الْمُفَسِّرِ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيَانٌ لِمَا فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِتَابَةِ وَالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا فَالْمُسْتَعَارُ بِالْكِتَابَةِ هُوَ الْحَبْلُ اُسْتُعِيرَ لِلْعَهْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ رَبْطِ أَحَدِ الْمُتَعَاهِدَيْنِ بِالْآخَرِ وَكَنَّى عَنْ الْحَبْلِ بِذِكْرِ النَّقْضِ الَّذِي هُوَ مِنْ رَوَادِفِهِ وَلَوَازِمِهِ فَقَوْلُهُ: {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} اسْتِعَارَةٌ تَحْقِيقِيَّةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الْعَهْدِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ وَهِيَ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ فَإِذَا قِيلَ يَنْقُضُونَ حَبْلَ اللَّهِ كَانَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْحَبْلِ عَلَى الْعَهْدِ مَجَازًا عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةُ أَيْ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ وَذَكَرَ النَّقْضَ تَرْشِيحًا.
ثُمَّ قَالَ الْمُفَسِّرُ كَقَوْلِك شُجَاعٌ يَفْتَرِسُ أَقْرَانَهُ وَعَالِمٌ يَغْتَرِفُ مِنْهُ النَّاسُ أَيْ فَإِنَّ افْتِرَاسَ الشُّجَاعِ أَقْرَانَهُ اسْتِعَارَةٌ لِبَطْشِهِ وَقَتْلِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّصْرِيحِ وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ اسْتِعَارَةِ الْبَحْرِ لَهُ وَكُلٌّ مِنْ التَّصْرِيحَتَيْنِ قَرِينَةٌ لِمَا تَفَرَّعَتْ عَلَيْهِ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ.
(سُئِلَ) هَلْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ إلَّا فَاسِقٌ وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِهِ إلَّا مُنَافِقٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) لَمْ أَرَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُرُودِهِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَارِجٌ عَلَى سَبِيلِ الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ.
(سُئِلَ) هَلْ وَرَدَ مَنْ قَصَدَنَا وَجَبَ حَقُّهُ عَلَيْنَا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) لَمْ أَرَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ إذْ الْمَقْصُودُ بِهِ التَّرْغِيبُ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ السَّائِلِ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إلَّا رَغِيفٌ فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا أَعْطِيهِ إيَّاهُ فَقَالَتْ لَيْسَ لَك مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أَعْطِهِ إيَّاهُ فَفَعَلَتْ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ فِي شَرْحِ الْقَطْرِ فِي بَابِ الْمَفْعُولِ مَعَهُ يَجِبُ نَصْبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَطْفُ مُمْتَنِعًا لِمَانِعٍ مَعْنَوِيٍّ كَقَوْلِك لَا تَنْهَ عَنْ الْقَبِيحِ، وَإِتْيَانَهُ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَمَا وَجْهُ التَّنَاقُضِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ لَفْظَ الْقَبِيحِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ بِأَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مُتَلَبِّسًا بِهِ إذْ فَعِيلٌ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَلَفْظُ إتْيَانِهِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَبِيحَ مَعْدُومٌ حَالَ التَّكَلُّمِ بِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ الْعَطْفِ إفَادَةُ وُجُودِ الْقَبِيحِ وَعَدَمُ وُجُودِ ذَلِكَ الْقَبِيحِ.
(سُئِلَ) هَلْ يُقْطَعُ بِدُخُولِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ النَّارَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ لِلْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ بَلْ قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ إنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ إذَا لَمْ يَتُبْ عَنْهَا مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا أَبَدًا وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ: قَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيثُ فِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ بِذُنُوبِهِ غَيْرَ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَبْقَى فِيهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَاَلَّذِي تَلْحَقُهُ الشَّفَاعَةُ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يُعَذَّبُ أَصْلًا غَيْرُ مَعْلُومٍ فَالذَّنْبُ خَطَرُهُ عَظِيمٌ وَرَبُّنَا غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَعَذَابُهُ شَدِيدٌ أَلِيمٌ. اهـ.
وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَاتٍ مِنْهَا إخْرَاجُ مَنْ أُدْخِلَ النَّارَ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ وَيُشَارِكُهُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلَكِنَّهُ اخْتَصَّ بِالشَّفَاعَةِ لِمَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ فِي إخْرَاجِهِ مِنْ النَّارِ وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ غَيْرَ الْكُفَّارِ مِنْ الْعُصَاةِ وَمُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ قَدْ عَمِلَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا وَهُوَ إيمَانُهُ فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ رُؤْيَتُهُ لِلْخَيْرِ قَبْلَ دُخُولِهِ النَّارَ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ لِاسْتِحَالَةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَّةِ بَعْدَ دُخُولِهَا أَوْ بَعْدَ دُخُولِهَا أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَفِيهِ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ خُرُوجُهُ عَنْهَا وَعَدَمُ خُلُودِهِ فِيهَا وقَوْله تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} وقَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} وقَوْله تَعَالَى: {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} وقَوْله تَعَالَى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلَّا الْإِحْسَانُ} فَقَدْ ثَبَتَ لِصَاحِبِ الْكَبِيرَةِ بِإِيمَانِهِ وَسَائِرِ مَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ، وَأَمَّا الْوَعِيدُ بِبَقَائِهِمْ الدَّائِمِ فَلُطْفٌ بِالْعِبَادِ لِكَوْنِهِ أَزْجَرَ عَنْ الْمَعَاصِي فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَكْتَرِثُ بِالْعَذَابِ الْمُنْقَطِعِ عِنْدَ الْمَيْلِ إلَى الِاسْتِلْذَاذِ ثُمَّ لَابُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ الْوَعِيدِ تَصْدِيقًا لِلْمُخْبِرِ وَصَوْنًا لِلْقَوْلِ عَنْ التَّبْدِيلِ.
(سُئِلَ) عَنْ تَعْرِيفِ الْيَمِينِ وَالْمِرَاءِ.
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ الْبَرَكَةُ وَمَعْنَى الْمِرَاءِ الرِّيَاءُ.
(سُئِلَ) عَنْ تَعْرِيفِ الْأَثَرِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ تَعْرِيفَ الْأَثَرِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ الْحَدِيثُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَرْفُوعًا أَوْ مَوْقُوفًا، وَإِنْ قَصَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْمَوْقُوفِ.
(سُئِلَ) عَنْ تَعْرِيفِ الْعَرَبِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْعَرَبَ لَفْظٌ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي غَيْرِ لُغَتِهِمْ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَا حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الْآخِرَةِ وَالْآخِرَةُ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا وَهُمَا حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ اللَّهِ هَلْ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ.
(سُئِلَ) عَنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَمْ لِأُنَاسٍ دُونَ أُنَاسٍ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَمْ نَرَ فِيهَا تَخْصِيصًا.
(سُئِلَ) عَمَّا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي قَوْله تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ اُقْتُلُوا كَافَّةَ الْمُشْرِكِينَ فَمَا وَجْهُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ وَجْهَهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ نَصْبُ كَافَّةٍ عَلَى الْحَالِ كَقَاطِبَةٍ، وَإِنَّهَا لَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ وَلَا يَدْخُلُهَا أَلْ وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا بِغَيْرِ الْحَالِ.
(سُئِلَ) عَمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ كُلُّ مَا كَانَ حَرَامًا بِوَصْفِهِ وَبِسَبَبِهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَأْتِيهِ التَّحْلِيلُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الضَّرُورَةِ أَوْ إلَّا كِرَاءً وَمَا كَانَ حَلَالًا بِوَصْفِهِ دُونَ سَبَبِهِ فَلَا يَأْتِيهِ التَّحْرِيمُ إلَّا مِنْ جِهَةِ سَبَبِهِ، وَمَا كَانَ حَلَالًا بِسَبَبِهِ فَلَا يَأْتِيهِ التَّحْرِيمُ إلَّا مِنْ جِهَةِ وَصْفِهِ، وَالْمَسْئُولُ مِنْ الصَّدَقَاتِ إيضَاحُ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ أَسْبَابَ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا قَائِمٌ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَالثَّانِي خَارِجٌ عَنْ الْمَحَلِّ فَأَمَّا الْقَائِمُ بِالْمَحَلِّ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ فَهُوَ كُلُّ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِالْمَحَلِّ مُوجِبَةٍ لِلتَّحْرِيمِ كَصِفَةِ الْخَمْرِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ لِمَا قَامَ بِشُرْبِهَا مِنْ النَّشْوَةِ الْمُطْرِبَةِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعُقُولِ وَكَالْمَيْتَةِ حَرُمَتْ لِمَا قَامَ بِهَا مِنْ الِاسْتِقْذَارِ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ حَرُمَ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَكَالسُّمُومِ الْقَاتِلَةِ حَرُمَتْ لِمَا قَامَ بِهَا مِنْ الصِّفَاتِ الْقَاتِلَةِ، وَأَمَّا الْقَائِمُ بِالْمَحَلِّ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْلِيلِ فَكُلُّ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِالْمَحَلِّ مُوجِبَةٌ لِلتَّحْلِيلِ كَصِفَةِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَأَمَّا الْخَارِجُ فَضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا الْأَسْبَابُ الْبَاطِلَةُ كَالْغَصْبِ وَالْقِمَارِ وَالْحُرِّيَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْبَيْعِ فَهَذِهِ أَسْبَابٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَحَلِّ مُوجِبَةٌ لِتَحْرِيمِ الْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي الْأَسْبَابُ الصَّحِيحَةُ كَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْمَحْكُومِ بِصِحَّتِهَا فَقَوْلُ الشَّيْخِ: كُلُّ مَا كَانَ حَرَامًا بِوَصْفِهِ وَبِسَبَبِهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَأْتِيهِ التَّحْلِيلُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الضَّرُورَةِ أَوْ الْإِكْرَاهِ.
مِثَالُ الْأَوَّلِ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ إذَا غَصَبَهُمَا مِنْ ذِمِّيٍّ.
وَمِثَالُ مَا كَانَا حَرَامًا بِوَصْفِهِ شُرْبُهُ خَمْرًا مُحْتَرَمَةً وَعَقْدُهُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَقْدًا اتَّفَقَا عَلَى مِثْلِهِ إذَا عَقَدَ عَلَى غَيْرِهِمَا وَمِثَالُ مَا كَانَ حَرَامًا بِسَبَبِهِ أَكْلُهُ مَالًا غَصَبَهُ أَوْ أَخَذَهُ بِقِمَارٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَأْتِيهِ التَّحْلِيلُ إلَّا مِنْ جِهَةِ اضْطِرَارِهِ إلَى تَنَاوُلِهِ أَوْ إكْرَاهِهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَمَا كَانَ حَلَالًا بِسَبَبِهِ لَا يَأْتِيهِ التَّحْرِيمُ إلَّا مِنْ جِهَةٍ وَصِفَةٍ.
مِثَالُ الْأَوَّلِ أَكْلُهُ بُرًّا مَغْصُوبًا أَوْ شَاةً مَغْصُوبَةً أَوْ بُرًّا مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَنَصِيبُ شَرِيكِهِ أَتَاهُ التَّحْرِيمُ مِنْ جِهَةِ سَبَبِهِ.
وَمِثَالُ الثَّانِي تَنَاوُلُهُ كَثِيرَ الَّذِي يَنْفَعُ قَلِيلُهُ وَيَضُرُّ كَثِيرُهُ كَالسَّقَمُونْيَا وَالْأَفْيُونِ.
(سُئِلَ) عَنْ السِّحْرِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِاجْتِنَابِهِ تَعَلُّمُهُ؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَ مَا لَا يُعْرَفُ مُحَالٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ تَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ الْعُلُومِ كَالسِّيمِيَاءِ وَالشَّعْبَذَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ تَعْلِيمَ السِّحْرِ وَتَعَلُّمَهُ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} بَلْ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ كُفْرٌ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ تَصْدُقُ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا تَضَمَّنَتْ الْكُفْرَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَا هُنَّ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» فَعَدَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَثَنَّاهُ بِالشِّرْكِ، وَأَمَرَنَا بِاجْتِنَابِهِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يُقَالُ بِوُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الْمُعْجِزَةِ مُعْجِزَةً وَاجِبٌ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّ السِّحْرَ أَوْ نَحْوَهُ إنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِعْجَازِ الَّذِي هُوَ كَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَلْتَبِسُ السِّحْرُ بِالْمُعْجِزَةِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ بَلَغَ السِّحْرُ حَدَّ الْإِعْجَازِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِدُونِ دَعْوَى التَّحَدِّي فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا الْتِبَاسَ أَوْ يَكُونَ مَعَهُ فَلَابُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ أَنْ لَا يَخْلُقَ اللَّهُ عَلَى يَدِهِ أَوْ أَنْ يَقْدِرَ غَيْرُهُ عَلَى مُعَارَضَتِهِ، وَإِلَّا كَانَ تَصْدِيقًا لِلْكَاذِبِ، وَأَنَّهُ يُحَالُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِكَوْنِهِ كَذِبًا، وَأَنَّ السِّحْرَ يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ السَّاحِرِ وَمِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ يَكُونُ جَمَاعَةٌ يَعْرِفُونَهُ وَيُمْكِنُهُمْ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالْمُعْجِزَةُ لَا يُمَكِّنُ اللَّهُ أَحَدًا أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا وَيُعَارِضَهَا.
وَاجْتِنَابُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَلُّمِهِ بَلْ عَلَى تَصَوُّرِهِ بِوَجْهٍ مَا فَإِنْ تَصَوَّرَهُ بِرَسْمِهِ كَانَ آثِمًا؛ لِأَنَّهُ بِهِ وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ إجْمَالًا حَتَّى أَنَّ كُلَّ جُزْئِيَّةٍ تَرِدُ عَلَيْهِ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْهُ.
وَقَدْ رَسَمَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عِلْمٌ بِكَيْفِيَّةِ اسْتِعْدَادَاتٍ تَقْتَدِرُ بِهَا النُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ عَلَى ظُهُورِ التَّأْثِيرِ فِي عَالَمِ العناص، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ كَلَامٌ مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ كُلُّ أَمْرٍ يَخْفَى سَبَبُهُ وَيُتَخَيَّلُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَةٍ وَيَجْرِي مَجْرَى التَّمْوِيهِ وَالتَّخْيِيلِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مَا يُسْتَعَانُ فِي تَحْصِيلِهِ بِالتَّقَرُّبِ إلَى الشَّيْطَانِ مِمَّا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْإِنْسَانُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي اجْتِنَابِهِ مَا ذَكَرْته مَا قَالَهُ أَئِمَّتُنَا مِنْ أَنَّ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ عِلْمَ دَاءِ الْقُلُوبِ الْمُفْسِدَ لَهَا لِيَحْتَرِزَ عَنْهَا وَهِيَ عِلْمُ أَمْرَاضِهَا الَّتِي تُخْرِجُهَا مِنْ الصِّحَّةِ وَتَحْصُلُ عِنْدَهَا كَالْعُجْبِ وَهُوَ اسْتِعْظَامُ الْآدَمِيِّ نَفْسَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَالرُّكُونُ إلَيْهَا مَعَ نِسْيَانِ إضَافَتِهَا لِلْمُنْعِمِ، وَالْكِبْرُ وَهُوَ أَنْ يَتَعَدَّى الشَّخْصُ طَوْرَهُ وَقَدْرَهُ وَهُوَ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ، وَأَفْعَالٌ تَصْدُرُ مِنْ الْجَوَارِحِ وَالْحَسَدِ وَهُوَ كَرَاهَتُك نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَى غَيْرِك وَهُوَ تَمَنِّيك زَوَالَهَا عَنْهُ هَذَا إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَطْهِيرُ قَلْبِهِ مِنْهَا بِغَيْرِ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَأَنْ رُزِقَ قَلْبًا سَلِيمًا مِنْهَا كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَمْيِيزِ السِّحْرِ عَمَّا فِيهِ شِبْهُهُ مِنْ الْعُلُومِ كالسيميا وَالشَّعْبَذَةِ لِمُشَارَكَتِهَا إيَّاهُ فِي وُجُوبِ اجْتِنَابِهَا لِتَحْرِيمِهَا عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ أَدْرَجُوهَا فِيهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْته فِي رُسُومِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فَأَمَّا سَائِرُ أَنْوَاعِ السِّحْرِ أَعْنِي الْإِتْيَانَ بِضُرُوبِ الشَّعْبَذَةِ وَالْآلَاتِ الْعَجِيبَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى النِّسَبِ الْهَنْدَسِيَّةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ.